الاثنين، 18 أبريل 2011

الطبيعة القانونية للجعالة

           تنص المادة (70 ) من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 عـلى أنه

 ( يقصد بالمستودعات المخازن التى تقبل فيها البضائع الواردة دون دفع ضرائب عنها لمدد يحددها هذا القانون وتنقسم هـذه المستودعات إلى نوعين : مستودع عام وهو الذى تخزن فيه البضائع لحساب الغير ومستودع خاص وهو الذى يخزن فيه صاحب المستودع وارداته المرخص له بتخزينها فيه ).

         وتنص المادة (71) من ذات القانون على أنه ( يرخص بالعمل بنظام المستودع العام بقرار من وزير الخزانة بناء على اقتراح مصلحة الجمارك ، ويحدد بقرار من وزير الخزانة رسوم التخزين والنفقات الأخرى والجعالة  الواجب أداؤها لمصلحة الجمارك والضمانات الواجب تقديمها وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بالمستودع ... )

       وتنص المادة (82 ) من القانون المشار إليه على أنه ( يصدر الترخيص فى إقامة المستودع الخاص بقرار من وزير الخزانة بناء على اقتراح من المدير العام للجمارك ويحدد القرار مكان المستودع والمقابل الواجب أداؤه سنويا والضمانات الواجب تقد يمها والأحكام الأخرى ...)

       ومفاد هذه الأحكام خول وزير الخزانة ( وزير المالية حاليا ) الحق فى الترخيص بإقامة مستودعات أى مخازن تقبل فيها البضائع الواردة دون دفع الضرائب عنها للمدة المحددة بقانون الجمارك ، وقد أناط المشرع بوزير المالية وضع شروط الترخيص بإقامة المستودعات العامة أو الخاصة وتحديد الجعالة  والمقابل الواجب أداؤه سنويا لمصلحة الجمارك وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بتلك المستودعات.

       ومن حيث أنه تنفيذا لهذه الأحكام وبناء على تفويض من وزير المالية صدر قرار رئيس مصلحة الجمارك رقم 18 لسنة 1992 ونص فى مادته الأولى على أنه ((تحدد فئات الجاعلة الواجب أداؤها للجمارك عن نشاط المستودع العام والمنصوص عليها فى المادة (71 ) من قانون الجمارك بواقع 20 % من إجمالى إيرادات المستودع العام وبحد أدنى 5000 جنيه سنويا ... ))

        ونص فى مادته الثانية على أن (( يحدد المقابل الواجب أداؤه للجمارك عن نشاط المستودع الخاص والمنصوص عليه فى المادة 82 من قانون الجمارك بواقع 5.%  من قيمة أعلى رصيد مخزنى يتم إيداعه فى المستودع خلال السنة وبحد أدنى 2400 جنيه سنويا ... ))

       وبتاريخ 7 /6 / 1998 صدر قرار رئيس مصلحة الجمارك رقم 66 لسنة 1998 ناصا فى  مادته الأولى على أن (( يستبدل بنص المادة (2) من قرار رئيس مصلحة الجمارك رقم 18 لسنة 1992 النص الآتى )) ونص فى مادته الثانية على أن :(( يحدد المقابل الواجب أداؤه للجمارك بواقع 5.% من قيمة متوسط الرصيد المخزنة الذى يتم إيداعه فى المستودع خلال السنة وبحد أدنى 2400 جنيه سنويا ... ))

       وبتاريخ 23 /6 / 1998صدرقرار رئيس مصلحة الجمارك رقم 78 لسنة 1998 ناصا فى مادته الأولى على أن (( يستبدل بنص المادة (1) من قرار رئيس مصلحة الجمارك رقم 18 لسنة 1992 المشار إليه النص الآتى : تحدد فئات الجعالة  الواجب أداؤها للجمارك عن نشاط المستودع العام المنصوص عليها فى المادة 71 من قانون الجمارك بواقع 10 % من إجمالى إيرادات المستودع العام وبحد أدنى خمسة آلاف جنيه وبحد أقصى مائة ألف جنيه سنويا... ))

       ولم يحدد قانون الجمارك رقم66لسنة1963أوأى قانون آخر أو القرارات المنفذة لقانون الجمارك الطبيعة القانونية للجعالة وهو ما يدعونا إلى التصدى لبيان الطبيعة القانونية للجعالة.



       ويمكن إجمال الآراء حددت الطبيعة القانونية للجعالة فيما يلى:

      الرأي الأول : الجعالة رسم واجب الأداء لمصلحة الجمارك :  
       يرى هذا الرأى الذى ذهبت إليه اللجنة الأولى من قسم الفتوى بمجلس الدولة بفتواها سجل رقم 55\46 بجلستها المنعقدة بتاريخ 23 /12 /2001 إلى أن المشرع وهو بصدد تحديد الأحكام الخاصة بنظام المستودع العام درج على استخدام عبارة رسوم التخزين والنفقات الأخرى والجعالة الواجب أداؤها لمصلحة الجمارك وهو ما يميط اللثام عن نيته فى تحديد الطبيعة القانونية بأنها رسم يجب أداؤه لمصلحة الجمارك.

       ومؤدى هذا الرأى بطبيعة الحال هو سريان التقادم الخمس بالنسبة لحق الدولة فى المطالبة بالضرائب والرسوم الوارد بالمادة الأولى من القانون رقم646 لسنة 1953 بشأن تقادم الضرائب والرسوم والتى تنص على أنه : (( تتقادم بخمس سنوات الضرائب والرسوم المستحقة للدولة أو لأى شخص إعتبارى مالم تنص القانون على مدة أطول )) وكذلك سريان التقادم الثلاثى بالنسبة لحق الأفراد فى المطالبة بالضرائب والرسوم الوارد بالمادة 377 /2 من القانون المدنى التى تنص على أنه: (( ويتقادم بثلاث سنوات الحق فى المطالبة برد الضرائب والرسوم التى دفعت بغير حق ،ويبدأ سريان التقادم من يوم دفعها.

      الرأى الثانى :الجعالة حق دورى متجدد:

      يرى أصحاب هذا الرأى أن الجعالة الواجب أداؤها لمصلحة الجمارك هى من الحقوق الدورية المتجددة طبقا لنص المادة 375 من القانون المدنى التى تنص أنه : (1 - يتقادم بخمس سنوات كل حق دورى متجدد ولو أقربه المدين ، كأجرة المبانى والأراضى الزراعية ومقابل الحكر ، وكالفوائد والإيرادات المترتبة والمهايا والأجور والمعاشات ...).

    والمقصود بالدورية أن الحق يستحق فى ميعاد دورى معين كان يستحق كل أسبوع أو كل شهر أو كل سنة أو كل وحدة زمنية أخرى أتفق عليها ، والدورية قد يكون مصدرها الاتفاق كما فى الأجرة القانونية والفوائد الاتفاقية ،وقد يكون مصدرها القانون كما فى المعاشات والفوائد القانونية.

    والمقصود بالتجدد أن الحق يستحق فى موعده الدورى إلى مالا نهاية، مادام مصدره قائما، دون أن يؤدى ذلك إلى انتقاص الأصل، كما هو الشأن بالنسبة للفوائد، ولا يفيد من كون الحق       متجددا كونه ثابتا أو متغيرا طبقا لما استقر عليه قضاء محكمة النقض فى أحد أحكامها (الطعن رقم 361 لسنة 40 ق جلسة 25/ 3 / 1982 )

    وقد رتب أنصار هذا الرأى نتيجة هامة على الرأى الذى قالوا بيه وهى أن تقادم الجعالة الواجب أداؤها لمصلحة الجمارك يسرى عليها التقادم الخمس طبقا لنص المادة 375 من القانون المدنى السالف ذكرها ، وأنه يجوز للمدين أن يدفع بالتقادم الخمس حتى ولو بدا بإنكار مديونيته أو كان قد أقربها بشرط ألا يتضمن الإقرار معنى التنازل عن التمسك بالتقادم .

     الرأى الثالث : الجعالة هى مجرد جعل مالى :

     يرى أصحاب هذا الرأى أن المشرع راعى ترتيب حق مالى للخزانة العامة فى مقابل الترخيص بالعمل بنظام المستودع العام أطلق عليه لفظ ( الجعالة ) وهى لا تعدو أن تكون مجرد جعل مالى مقرر لمصلحة الجمارك نظير منحها للمر خص له ميزة الإفادة من العمل بنظام المستودعات ، لما يمثله هذا النظام من تعليق أداء الضرائب الجمركية المستحقة عن البضائع الواردة طول فترة تخزينها بالمستودع العام لمدد يحددها القانون وذلك للمواءمة بين صالح المستورد فى إرجاء طرح الرسالة بالأسواق وصالح الخزانة العامة فى تحصيل الضرائب الجمركية.

    ويرتب أنصار هذا الرأى نتيجة هامة على الرأى الذى قالوا به وهى أن تقادم الجعالة يخضع للقاعدة العامة لتقادم الالتزام ( وذلك لعدم وجود نص قانونى بشأن تقادم الجعالة) الواردة فى المادة 374 من القانون المدنى التى نصت على أن " (( يتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الاستثناءات التالية )) .

    الرأى الرابع : الجعالة بمثابة تعويض للخزانة العامة :
   
    يرى أصحاب هذا الرأى أن المستقر عليه فى حكم القانون هو أن لكل من لفظى الجعالة ورسوم الخزن دلالة مختلفة باعتبار أن الرسم عموما يكون مقابل خدمة ، أما الجعالة فهى التزام فرضه المشرع دون أن يقابله أداء خدمة معينة- وذلك يتأكد من سياق نص المادة (71 ) من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 فى فقرتها الثانية التى وردت فيها المبالغ المستحقة نظير التخزين بالمستودع العام ومعطوفة على بعضها بحرف (( الواو)) التى أجمع علماء الأصول أن هذا الحرف لمطلق الجمع وتفيد عطف ما بعدها على ما قبلها وإشراك المعطوف مع المعطوف عليها فى الحكم - بمعنى أن الصياغة قد وردت لإفادة عطف ما بعدها على ما قبلها وإشراك المعطوف عليه فى الحكم الأمر الذى يكشف أن لكل من المعطوف عليه والمعطوف معنى مختلف يتعين حرف كل منهما إلى المعنى الذى يحمله اللفظ حيث من المستقر عليه أنه لا يستقيم فى لغة القانون الجمع إلا بين مختلفين فى الدلالة لإشراكها فى حكم واحد.

   وبالبناء على ما تقدم - فإنه لا يمكن القول بأن لفظ الجعالة هو بذاته رسوم الخزن أو أية رسوم أخرى وإلا كان معنى ذلك اتصاف المشرع بالعبث والتكرار وهى أمور يتنزه عنها التشريع ، فلفظ الرسم يعنى المبالغ التى تدفع وفقأ للقرارات المنظمة مقابل خدمات من المفترض أنها تؤدى للملتزم بالرسم - كخدمات تخزينية أو نظافة أو إشغالات لأملاك الدولة ... الخ ، أما لفظ الجعالة فقد أوجب المشرع دفعها لمصلحة الجمارك مقابل إرجاء تحصيل الضريبة الجمركية على البضائع الواردة للبلاد فترة السماح بتخزينها غير خالصة . الضريبة فى المستودعات وبالتالى فهى بمثابة تعويض للخزانة العامة عن فترة حرمانها من الضريبة الجمركية الواجبة وهى فترة التخزين بالمستودع .

   موقف القضاء :
  
   الاتجاه الغالب فى القضاء العادى بدرجتيه الابتدائى والإستئنا فى يؤيد الرأى الأول الذى يرى أن الطبيعة القانونية للجعالة بأنها رسم واجب أداؤه للجمارك ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر
  
  الأحكام التالية:
1 - الحكم الصادر من محكمة استئناف إسكندرية فى الاستئناف المقيد برقم 1224 لسنة 57 ق جلسة 16 / 1 / 2002 .

 2 - الحكم الصادر من محكمة استئناف إسكندرية فى الاستئناف المقيد برقم 122 لسنة 57 ق جلسة 17/ 4 /2001.

  3 - الحكم الصادر من محكمة استئناف الإسماعيلية ( مأمورية استئناف بورسعيد ) فى الاستئناف رقم 243 لسنة 36 ق مدنى بورسعيد والذى خلعت فيه المحكمة إلى أن الساحات تعتبر مستودعات عامة يستحق عنها رسم جعالة تلتزم به الشركة المستأنف ضدها مثل الشركات الأخرى وهى شركات الخليج العربى والشرق الأوسط وهيئة ميناء بورسعيد على النحو الثابت بتقرير خبير محكمة أول درجة.

  4 - الحكم الصادر فى الدعوى رقم 725 لسنة 1997 تجارى كلى إسكندرية جلسة 19/ 7 /2001 .
  
   وقد ذهب حكم لهيئة التحكيم فى منازعات شركات القطاع العام فى طلب التحكيم رقم 424 لسنة 1997 جلسة 23 /9 /1987 إلى تأييد الرأى الثالث الذى ذهب إلى أن الطبيعة القانونية للجعالة بأنها جعل ، ونفى هذا الحكم صفة الحق الدورى المتجدد وصفة الضريبة أو الرسم وأورد أن (( الحق المطالب به (الجعالة) لا يتصف بصفة الدورية- إذ الثابت من واقع المستندات المقدمة أن المطالبة أى قدرها إنما تختلف من وقت لآخر - ولا سند فى الأوراق يؤكد أن لها صفة الدورية فى العموم وهى باعتبارها تحمل صفة الجعل لا ينطبق عليها فى هذه الحالة الضريبة أو الرسم )) .

   رأينا فى الموضوع :

   وفى رأينا أن الرأى الأول والذى حدد الطبيعة القانونية للجعالة بأنها رسم يجب أداؤه لمصلحة الجمارك والذى أخذ به أغلب القضاء هو الأولى بالترجيح لسلامة الحجة القانونية التى قام عليها.

   وإذا كنا نتفق مع الرأى القائل باختلاف ألفاظ كل من الجعالة ورسوم الخزن وأن لكل لفظ دلالته ، إلا أننا نرى أن المشرع باستخدامه عبارة رسوم الخزن فى المادة 71/2 من قانون الجمارك ثم استخدامه لحرف الواو بالنسبة لباقى المبالغ المستحقة نظير التخزين بالمستودع يعنى إشراك المعطوف مع المعطوف عليه فى حكم أنها رسوم مثل رسوم الخزن ودليلنا على ذلك أن الفقرة الأولى من المادة 111 من قانون الجمارك كانت تنص قبل الحكم بعدم دستوريتها فى القضية بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 175 لسنة 22 قضائية دستورية على أن (( تخضع البضائع التى تودع فى الساحات والمخازن والمستودعات التى تديرها الجمارك لرسوم الخزن والشيالة والتأمين والرسوم الإضافية الأخرى التى تقضيها عمليات إيداع البضائع ومعاينتها وجميع ما تقدمه الجمارك من خدمات أخرى )) ولا خلاف أن المشرع استخدم فى تلك الفقرة حرة (الواو) لاشتراك المعطوف عليه فى حكم أن كل من الشيالة والتأمين والرسوم الإضافية الأخرى التى تقتضيها عمليات إيداع البضائع ومعاينتها وجميع ما تقدمه الجمارك من خدمات أخرى هى رسوم خدمات مثل رسوم الخزن.